Tuesday, December 11, 2018

من أقدم ما وصلنا من ذكر لجحا قول عمر بن أبي ربيعة (93هـ)

نقلا عن كتاب نثر الدرر للآبي (422هـ)؛ إلا أنه لا يوجد في ديوانه المطبوع مما جعل صاحب كتاب «في الأدب الشعبي الإسلامي المقارن» يتردد في قبوله، وذكر ابن النديم الذي أخرج كتابه الفهرست عام 377 عنوانا لكتاب؛ سماه نوادر جحا وذكره الجاحظ في كتابه البغال وينكر ابن حبان وابن حجر العسقلاني أن يكون دجين المحدث هو جحا مع إقرارهما بوجود شخصية تدعى جحا. ويقول العقاد في كتابه «جحا الضاحك المضحك»: «مما جاء عن جحا في كتب الأدب العربي متناقض؛ لا يستقر على قرار وليس في الإمكان أن ينقل كل ما نقل في تلك الكتب عن رجل واحد وإلا لزم أن يكون رجلا لا عمل له إلا إثارة الضحك بنوادره، ولا عمل للرواة؛ إلا النقل عنه» وهذا له وجهه، واحتماله لكن وقوعه ليس بالبعيد؛ لأنه لو افترضنا أنه عاش 70 سنة مثلاً منها 50 سنة في كل يوم تقع له ثلاث نوادر؛ فإننا في الشهر نتحصل على 90 نادرة وفي السنة ما يقارب الألف حكاية، أو تزيد وفي الخمسين سنة 50 ألف حكاية، ونحن نرضى بأقل من ذلك لأن مجموع النوادر لا يبلغ النصف

من هذا العدد.

ويقول رينيه باسيه الفرنسي (1892) في مقدمة ترجمته الفرنسية لنوادر جحا، إن النص العربي المطبوع لها في بولاق ليس سوى ترجمة عن التركية «في الأدب الشعبي الإسلامي المقارن»، وهذا يعني أن حكايات جحا إنما وصلتنا بالواسطة؛ أي أنها نقلت مع غيرها إلى التركية ثم انتقلت إلى الغرب في القرنين الخامس عشر والسادس عشر ثم اطلعنا عليها نقلا عن التركية؛ وباسيه هذا يشك في وجود نصر الدين خوجة أصلاً، ويشاركه في ذلك مارتن هارتمان وفسيلسكي الألمانيان. أما كريستنسن الدنماركي فيرى أن النوادر في العربية منقولة عن التركية وليس عن كتاب نوادر جحا الذي ذكره ابن النديم في فهرسته؛ وهذا من قلة الاطلاع على المصادر العربية كما أظن، إلا أن يقصد مؤلفا بعينه كما سبق، ويبعد في تصوره فسيلسكي فيرى وجوب الجزم بأنه قبل زمن نصر الدين لم يكن وجود حقيقي ولا وهمي لجحا ولا لحكايات جحا؛ وهذا أيضا من قلة الاطلاع على المصادر العربية، وقد ترجم حكمت شريف وهو أديب ومفكر ورحالة وصحافي النوادر التركية إلى العربية في كتابه المعروف «نوارد جحا»، ويعلق على ذلك الدكتور النجار في كتابه «جحا العربي»:

«على حين تلك النوادر عربية الأصل، ومدونة في كتب التراث العربي التي ألفت قبل ظهور نصر الدين خوجة بعدة قرون»، حتى إن الأستاذ عبدالستار فراج في «أخبار جحا» ليسميها عملية سطو منظم على حد تعبيره، ويرى باسيه وغيره؛ أن النوادر التركية ترجمة للفكاهات العربية القديمة التي كانت منتشرة بكثرة في ذلك الوقت نهاية القرن الرابع الهجري (10م) وقد قوبلت نظريته بالارتياب، فهناك عدد من الدارسين منهم كريستنسن لا يؤمنون بترجمة فكاهات جحا القديمة، وهناك عدد من الدارسين أيضاً يرى أنها خاصية مشتركة في الأدب العالمي كله، وما فكاهات خوجة إلا نوع من القصص الشعبي الذي يوجد في كل مكان. ويقول (روزنتال الألماني) نوادر نصر الدين مسبوقة بغيرها في عربية العصور الوسطى وجحا أشهر أصحاب النوادر من العرب، وبعض النوادر التركية تعود إلى مصدر فارسي قديم (1040م) ( مينوكيهري) ويسمونه جحا وهذا في الشعر فقط أما في غير الشعر فهو (ملا نصر الدين) وقد ذكره جلال الدين الرومي (666هـ) في المثنوي، وذكره منوجهري من شعراء القرن الخامس.

ويقول الدكتور رجب: «الدراسون الأجانب قد أجمعوا تقريبا على أن النوادر المنسوبة لجحا الأتراك ليس بقائلها كلها»، بل أضيف إليها ما وصل من نوادر فارسية، وعربية؛ وقد وجدت نوادر مشتركة نسبت إلى جحا العربي، والتركي، والفارسي، كما أن بعض النوادر تتطابق مع الحكايات الهندية القديمة كما في «كليلة ودمنة»؛ كما وجدت في كتاب «محاورات بوذا الحكيم والساذج»، لذلك يقول العقاد: «يستحيل أن تصدر عن شخصية واحدة؛ لتباعد البيئات التي تروى عنها؛ وهي نتيجة ما وضعه الترك وما وضعه غيرهم من عامة الشعوب الشرقية والإسلامية وبعضه مما وضعه غير المسلمين من جيران العثمانيين