Thursday, February 21, 2019

سالك زيد: واقع العبيد المحررين لم يتغير

ويضيف سيدي محمد ولد محم أن الدولة لم تكتف بتجريم العبودية منذ عام 2018، بل أصدرت قانونا في عام 2017 يجعل من العبودية جريمة ضد الإنسانية، وهو مالم يحدث في مناطق أخرى في أفريقيا توجد بها ظاهرة الاسترقاق، مثل مالي والنيجر وجنوب الجزائر، ولكن لا يتحدث عنها أحد نظرا لأن القانون هناك لا يجرم الاسترقاق كما هو الحال في موريتانيا. ويشير إلى أن هناك مجموعة أفريقية تمارس العبودية ولا تحظى ممارساتها بتغطية إعلامية أو اهتمام دولي، مثل المجموعة الإفريقية الناطقة باللغة السونوكية التي تقوم بممارسة العبودية على طبقات من أبنائها إلى درجة أن العبيد يدفنون في مدافن خاصة بهم، ولا يدفنون مع السادة.
نسبة العبودية في موريتانيا
ونتيجة كل التعقيدات السياسية والاجتماعية المرتبطة بملف العبودية في موريتانيا، نجد أن هناك تقديرات مختلفة حول حجم من يعانون من الاسترقاق في الوقت الراهن. إذ ترى منظمة العفو الدولية أن عدد الأشخاص الذي يعيشون تحت قيود الرق في عام 2016 بلغ نحو 43 ألف فرد، وهو ما يمثل نسبة 1% من السكان في موريتانيا. وأدانت العفو الدولية في ت
وعلاوة على الصراع السياسي المرتبط بالعبودية، يتم توظيف الدين في سياق هذا الملف كما يشير حسن أمبارك، وهو ناشط حقوقي ينتمي ايضا لفئة "الحراطين". ويقول "إن هناك كتبا فقهية تستخدم لتبرير وتكريس العبودية، وتبيح أعراض المسلمين والمسلمات ممن كانوا عبيدا. وعلى الرغم من ارتفاع أصوات من ينددون بهذه الكتب ويطالبون بحظر تدريسها، إلا أن القانون الذي صدر لمكافحة الكراهية ينص على أن من يدعو لمخالفة المذهب المالكي يتعرض للعقاب". والمقصود بالمذهب المالكي، كما يقول أمبارك، هو كتب بعينها ينتمي من وضعها لهذا المذهب، وتستخدم لتبرير الوضع القائم والمحافظة عليه، خاصة وإن كل من يمارسون العبودية أو من يعانون من ويلاتها في موريتانيا هم من المسلمين.
ومن ثم، يمكن القول أنه بسبب الحاجة لعمالة رخيصة، خاصة في المناطق الريفية، وهي عمالة تعتمد أساسا على من كانوا عبيدا أو من كان آباؤهم عبيدا، وبسبب استمرار هذا الوضع منذ عقود طويلة تعود لعهد الإستعمار الفرنسي، الذي لم يغير علاقات العمل حرصا على مصالحه الاقتصادية، وبسب وجود ثقافة مستقرة في المجتمع لعقود طويلة تقوم على وجود سادة وعبيد، علاوة على توظيف الدين لتبرير وتكريس العبودية اعتمادا على فتاوى قد يجدها كثيرون غريبة وغير مقبولة، كانت النتيجة أن بقيت أغلبية من ينتمون لفئة "الحراطين" تعيش حياة بائسة قاسية، وتعاني من الفقر والتهميش، وتمارس أعمالا شاقة مقابل أجور زهيدة، وتواجه التعالي والاستكبار من جانب بعض من ينتمون لمجموعات عرقية أخرى. ويبدو هذا واضحا في قطاعات معينة مثل التعليم، إذ أن أغلب تلاميذ المدارس الحكومية التي تقدم تعليما ضعيفا هم من أبناء "الحراطين"، بينما لا وجود لهم تقريبا في المدارس الخاصة باهظة التكلفة. كما يغيبون ايضا عن الوظائف الهامة في الجيش والشرطة والقضاء، ولا يملكون إلا النذر اليسير من الأصول الإنتاجية، مثل الأراضي والعقارات.
يؤكد الصحفي الموريتاني سالك زيد، اعتمادا على تحقيق استقصائي قام به، أن واقع حياة العبيد المحررين لم يتغير، حتى لو تحرروا من العبودية بمعناها القديم التقليدي، حيث كان يتم بيع العبيد وشراؤهم في أسواق النخاسة. الواقع أن من كان آباؤهم عبيدا، أو من كانوا عبيدا وتحرروا من الرق، لا زالوا يعيشون في أغلال الفقر والجهل، ولازالوا يئنون تحت وطأة ضغوط المجتمع لأنه ببساطة لم تتغير تركيبة المجتمع، ولم تتغير علاقات العمل والانتاج داخل المجتمع، ولم تتغير الثقافة السائدة به. وباختصار يمكن القول إنهم تحرروا من الاسترقاق، إذ كان يتم توريث العبيد من الآباء للأبناء مثل أي عقار أو سلعة، لكنهم لم يتحرروا من حياة الفقر والعوز. ولعل هذا يفسر بعض ما يروى عن رفض مجموعات ممن تعرضوا للعبودية مغادرة بيوت السادة. إذ أين يذهب شاب أو فتاة بلا منزل أو مال أو تعليم إذا قرر أن يغادر المنزل الذي ولد وعاش به؟ ومن يمكن أن يساعده على الخروج من الحلقة المفرغة للفقر والجهل؟
وبقي جانب هام من ملف العبودية، وهو التنافس السياسي على كسب فئة "الحراطين" في الوقت الراهن كما يوضح أحمد ولد الوديعة. إذ يؤكد القوميون العرب على أن "الحراطين" جزء من المجتمع العربي بسبب نطقهم باللغة العربية وعاداتهم التي اكتسبوها من الحياة مع القبائل العربية لعقود طويلة. وعلى النقيض يؤكد القوميون الأفارقة على انتماء الحراطين للعرق الأفريقي، ويرون أنهم، مع باقي الأفارقة في موريتانيا، يشكلون الأغلبية التي يجب أن تنهي حكم الأقلية البيضاء في موريتانيا، ولعل هذا يفسر التوظيف السياسي المستمر لمشكلات "الحراطين" في المجتمع الموريتاني، سواء من الداخل أو من الخارج.
ولعل هذا هو التحدي الأكبر الذي يواجه المسؤولين في موريتانيا، وهو ألا يتم الاكتفاء بالقوانين التي تجرم العبودية وتجعلها جريمة ضد الانسانية، وألا يتم الاكتفاء بتحرير العبيد من ممارسات العبودية بمعناها القديم، بل يجب أن يكون الهدف هو تحرير من كانوا عبيدا من حياة الفقر والجهل والتهميش بحيث تكون حياتهم فعلا ملك أيديهم، لا بأيدي الآخرين.
قرير أصدرته في مارس/آذار 2018 "القمع المتزايد الذي يتعرض له المنظمات والأفراد الذين يجرؤون على إدانة ممارسات الرق والتمييز، وكذلك إنكار الحكومة لوجود هذه المشكلة". غير أن هذه النسبة ترتفع كثيرا في تقديرات مبادرة "انبعاث الحركة الانعتاقية"، وهي مبادرة غير معترف بها من قبل الدولة الموريتانية، ولم تحصل على الترخيص الذي يمكنها من العمل بشكل قانوني، ويترأسها بيرام ولد العبيدي. وحسبما قال بيرام في مقابلة سابقة مع بي بي سي عربي فإنه بعد عمليات بحث قامت بها مبادرته، "اتضح أن نحو 20% من الشعب الموريتاني مازالوا يعيشون حياة العبودية، ويعملون بلا راحة وبلا تعويض، ولا يدخلون المدارس وليس لهم أوراق مدنية". ولكنه أوضح أن الوضع الحالي قديم يعود إلى عهد الاستعمار الفرنسي الذي سعى للحفاظ على مصالحه الاقتصادية بأن عقد اتفاقا مع قادة القبائل العربية والامازيجية يقضي بالسماح لهم بالاحتفاظ بعبيدهم مقابل أن يخضعوا لفرنسا ويقبلوا بسيادتها. وبعد الاستقلال حرصت الطبقة الحاكمة في موريتانيا على تكريس نفس الأوضاع، "لأن من يحكمون موريتانيا هم أنفسهم من يستفيدون من وجود العبيد"، على حد وصف بيرام.
ولكن اللافت للنظر ذلك التفاوت الكبير بين نسبة العبودية في موريتانيا كما يقدمها بيرام ولد العبيدي، وهي نسبة 20%، ونسبة العبودية التي تقدمها منظمة العفو الدولية، وهي نسبة 1%، هذا مع الأخذ في الاعتبار أن ملف العبودية موضع صراع سياسي بين بيرام وبين الحزب الحاكم. ويؤكد يربة ولد صغير، عضو المكتب التنفيذي لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية والمكلف بملف حقوق الإنسان في الحزب، أنه يتم تضخيم أرقام العبودية في موريتانيا لتحقيق مكاسب سياسية، وأن الدولة لم تكتف فقط بتجريم العبودية، بل أسست مبادرة "تضامن" لمحاربة مخلفات ظاهرة الإسترقاق، لكن تبقى المشكلة الكبرى لمن عانوا من العبودية هي الفقر.